IAOM-MEA

تسجيل دخول الأعضاء

Hi User, Logout

علم المحاصيل في أفريقيا

مقدمة: قدرة العلم والتكنولوجيا على توفير محاصيل ذات جودة عالية – كتبه كليفورد سبينسر، سفير النوايا الحسنة، منظمة النيباد

عمليًا، لقد عملت مباشرة في أكثر من 60 نوعًا مختلفًا من المحاصيل على مدار حياتي العملية؛ إما كمزارع، أو كمنتج للبذور والنوى، أو كمنتج للمحاصيل التجارية، أو كعامل في مجال الطحن، ومستهلك لهذه المحاصيل، سوا بشكل مباشر أو من خلال الماشية التي يتم إطعامها بها في المزرعة.

وكان فخر عائلتي من المزارعين أننا قدمنا ديكًا روميًا في عيد الميلاد للبلاط الملكي لجلالة الملكة إليزابيث، عندما فزنا بمعرض الدواجن الوطني للمملكة المتحدة في سميثفيلد منذ سنوات عدة. كما استطعنا كسر الأرقام القياسية لكميات المحاصيل وجودتها لعديد من المحاصيل التي كنا نزرعها في مزرعتنا.

كما استضافت مزرعة عائلتنا العديد من الزوار الأفارقة عندما كنت طفلًا، مما ربى لديّ اهتمامًا مستمرًا ومتزايدًا بهذه القارة الضخمة، والتي أصبحت الآن تحتل مكانًا متقدمًا من الشئون العالمية خاصة في مجال التطورات التجارية.

فسبعة من أفضل 10 اقتصاديات أداءً في العالم الآن من القارة الإفريقية. عندما أتممت دراستي للزراعة في الجامعة، كان أول ما فعلته عند عودتي إلى مزرعة عائلتي هو إقامة معمل في المزرعة، حتى في المملكة المتحدة، كا هذا غير اعتيادي في مزرعة، خاصة في بداية السبعينيات. كان المعمل مجهزًا لاختبار إنبات وصلابة البذور، وتحليل الحبوب، من خلال تحديد كمية البروتينات في الحبوب وكميات الزيوت في البذور الزيتية. وهكذا، عندما بدأت بسعادة في استخدام أجهزة Kjeldahl وSoxhlet الخاصة بي، كنت غير مدرك تمامًا لمدى حظي الرائع لتمتعي بهذه العلوم والتقنيات بسهولة، مقارنة بباقي العالم.

هذه القدرة على التحليل ومقارنة النتائج مباشرة بنمو محاصيل الحبوب والبذور الزيتية كانت مزية حقيقية، وكنتيجة لذلك، استمرت كمية المحصول وجودته في التحسن بثبات وسرعة. كما أن إنتاجنا من الحبوب أظهر شعبية كبيرة لدى الطحانين، مما عتى تحقيقه لأسعار جيدة دائمًا. وأقنعتني هذه التجربة مبكرًا جدًا في حياتي المهنية بمدى قوة العلوم والتكنولوجيا في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء بجودة عالية، بالإضافة إلى قوتهما التجارية كذلك.

مدى قدرة المحاصيل المزروعة في أفريقيا على تلبية الطلب على الغذاء

 هناك العديد من المحاصيل الأفريقية التي قد تمتلك القدرة على أن تكون محط اهتمام قطاع الطحن. وتمتلك هذه المحاصيل القدرة على تعزيز قطاع الزراعة الإفريقي، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي الإفريقي بأكمله. وسنستعرض هذه الفرص لكل محصول على حدة في الأعداد القادمة من مجلة الطحن والحبوب، ليمكن لقرائنا الرجوع إليها مستقبلًا.

تحتل أفريقيا مساحة هائلة من الأرض، تبلغ مساحتها حوالي 3 مليارات هكتار، وتمتلك 1.3 مليار من الأراضي الزراعي، منها 252 مليون هكتار (19.36%) فقط مزروعة حاليًا (2011، منظمة الفاو). قارن هذا على سبيل المثال بإجمالي مساحة الأراضي المزروعة في المملكة المتحدة، والتي تقدر بحوالي خمسة ملايين هكتار، لتتضح لك الإمكانيات المحتملة للإنتاج الغذائي وإنتاج الأعلاف والصناعات المتعلقة بهما. وأفريقيا ليست فحسب بلد المنشأ لهذه المحاصيل، وإنما تعد كذلك منتجًا رئيسيًا للعديد من الحبوب مثل السورغم، الدخن اللؤلؤي، دخن الإصبع، الأثب الطيفي (التيف)، والأرز الإفريقي.

وتعد الذرة كذلك واحدة من أهم المحاصيل، والتي تفوقت على الحبوب التقليدية، بينما تتم زراعة القمح بتوسع في شمال أفريقيا، وكذلك في السودان وإثيوبيا. وهكذا ربما تعد أفريقيا هي الفرصة الأهم التي يجب على العاملين في مجال الطحن استغلالها.

أهمية المحاصيل المحلية الإفريقية

ولهذه الفرصة للتنمية وجهان، حيث تعد الزراعة هي “محرك النمو” في أفريقيا. يعمل بالزراعة 65% من إجمالي القوى العاملة في أفريقيا، وينتج عنها 32% من الدخل القومي الإجمالي. يعتمد معظم مالكي المزارع الصغيرة في أفريقيا حاليًا على الزراعة المعيشية، لذا فإنهم يواجهون العديد من الصعوبات نتيجة فقر التربة، نقص المحاصيل، وغيرها من العوائق، مما يؤثر على قدراتهم على الزراعة المستدامة وكذلك على دخول الأسر. وتعد محاصيل الحبوب مثل السورغم، الدخن، القمح، الذرة، والأرز هي المحاصيل الغذائية الرئيسية لمعظم سكان القارة. وتتم زراعة هذه الحبوب على مساحة 98.6 مليون هكتار، بإنتاجية تصل إلى 162 مليون طن من الحبوب كما هو مفصل في الرسم أدناه.

هذا الشهر، سأقوم بالحديث عن محصول الذرة باختصار، قبل أن أنتقل في الأعداد القادمة إلى الحديث بتفصيل أكبر عن المحاصيل الأفريقية المحلية، التي قد تثير اهتمام قطاع الطحن. ومن العوامل المهمة التي يحتاج العاملون في صناعة الطحن إلى وضعها في الاعتبار، هي إمكانية استخدام هذا النوع من المحاصيل كأعلاف للحيوانات. يعد هذا من المتطلبات الأساسية، من حيث إنتاج محاصيل بأعلى جودة ممكنة في أفريقيا ومن أجلها، وهو متعلق كذلك بما إذا كان ذلك المحصول من الفئة التي يطلق عليها محاصيل C4.

فالقمح على سبيل المثال، من محاصيل الفئة C3، ولذا فإنه لا يعد بالكميات الكافية مباشرة، أو بالجودة العالية المحتملة في المناخ الاستوائي مثل محاصيل C4، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء. بينما الذرة من محاصيل C4، وكذلك السورغم. والفارق الرئيسي هنا هو أن نباتات C4 تمتلك كفاءة أعلى في عملية التمثيل (البناء) الضوئي من نباتات الفئة C3. لذا فإن نباتات C4 أقدر على استخدام الكربون بكفاءة في ظروف الجفاف، وفي دراجات الحرارة المرتفعة، أو في ظروف نقص النيتروجين أو ثاني أكسيد الكربون (CO2)، بينما يعد البناء الضوئي لفئة C3 أكثر كفاءة في ظروف أخرى، مثل المناخ المعتدل. لذا فإن نباتات C4 بشكل عام تكون محلية أو تنشأ في المناطق الحارة، الرطبة، أو الجافة غير الملحية، كما في المناطق الاستوائية. يحدث التمثيل الضوئي بطريقة C4 في العديد من أنواع الحشائش، قصب السكر، الذرة، السورغم، وغيرها من المحاصيل الاستوائية مثل الدخن.

تقنيًا، تعد دورة التصنيع C4 دورة بديلة لدورة Calvin (دورة C3)، وتحدث أثناء المرحلة المظلمة من التمثيل الضوئي. في دورة C4 يكون المركب المتزن الأول هو مركب من أربع ذرات من الكربون (يسمي حمض الأوكسالو-أسيتيك / Oxaloacetic Acid)، لذا تسمى بدورة C4. وتمتلك نباتات C4 نوعًا تشريحيًا خاصًا من الأوراق يسمى بتشريح كرانس (Krans).

وتعد جميع المحاصيل الأفريقية المحلية التي سأصفها بالتفصيل في مقالات لاحقة من محاصيل C4، لذا فإنها تمتلك إمكانات هائلة إذا ما تمت الاستعانة بتقنيات التهجين والهندسة الزراعية السليمة. هناك الكثير من العمل والأبحاث في هذا المجال، خاصة بواسطة المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية (CGIAR)، وبشكل خاص فيما يتعلق بالسورغم بواسطة معهد أبحاث المحاصيل للمناطق الاستوائية شبه الجافة (ICRISAT)، بالإضافة إلى العديد من الشركات الزراعية الكبرى التي يتزايد اهتمامها بهذه المناطق النامية طوال الوقت. لعدة قرون، كان يتم طحن البطاطا (اليام)، السورغم، الدخن، والأثب الطيفي (التيف) في أفريقيا، سواء بمطحنة تقليدية مثل المدقة والهاون المصنوعين من فروع الأشجار، أو باستخدام أحجار مصقولة أو أحجار طحن بدائية. وما زالت استخدام جميع وسائل الطحن التقليدية هذه شائعًا في أفريقيا حتى الآن. بينما ظهرت كذلك محاصيل جديدة في القرون الأخيرة، مثل الأرز، الشعير، والكاسافا، وظهرت معها تقنيات طحن جديدة.

مواجهة مشكلة نقص الكهرباء

في منتصف القرن التاسع عشر، اخترعت المحركات الكهربية، لكن هذا الاختراع الذي قاد التقدم نحو استخدام المطاحن الكهربية فاتته مناطق في أفريقيا، نتيجة نقص الكهرباء في أجزاء كبيرة من القارة. بينما دخلت محركات الديزل وغيرها من المحركات الأقل سرعة في صناعة الطحن، لكن حتى هذه الوسائل القديمة كان استخدامها محدودًا بمدى إتاحة الوقود وقطع الغيار.

لكن الآن، بدأت مواجهة مشكلة نقص الكهرباء في القارة الإفريقية، خاصة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، حيث تتفهم منظمة النيباد (NEPAD) بالتأكيد ما يمكن جنيه من توسعة استخدام المطاحن ذات السرعات الأكبر من إضافة لطاقة الطحن في جميع أنحاء القارة، وفي دول أكثر فأكثر. يعد محصول الذرة من المحاصيل المعروفة للعديد من القراء، ويعد من المحاصيل الغذائية الأساسية التي تتم زراعتها في العديد من النطاقات الزراعية والبيئية والعديد من أنظمة الزراعة في القارة الإفريقية. وتعد الذرة في وقتنا الحالي هو أكثر المحاصيل زراعة في أفريقيا، حيث تتم زراعته في كل النطاقات البيئية في أفريقيا تقريبًا.

تم تسجيل أكبر أحجام للمحاصيل للهكتار في مصر والدول المطلة على المحيط الهندي. ويتم استهلاك الذرة بواسطة مستهلكين من مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، ومن مختلف النظم الغذائية في أفريقيا جنوب الصحراء، وتلعب دورًا محوريًا كغذاء أساسي في هذه المنطقة، يمكن مقارنته بدور الأرز أو القمح في آسيا. وأكثر المناطق المستهلكة للذرة هي دول شرق وجنوب أفريقيا. هناك 22 دولة في العالم تمثل الذرة فيها النسبة المئوية الأكبر من السعرات الحرارية المستهلكة للفرد، ستة عشر من هذه الدول في أفريقيا. ويمثل هذا المحصول وحده ما يقرب من نصف السعرات الحرارية والبروتين المستهلك في مناطق شرق وجنوب أفريقيا، وحوالي خمس السعرات الحرارية والبروتين المستهلك في غرب أفريقيا. ويعتمد حوالي 208 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء على الذرة كمصدر أساسي للأمن الغذائي والرفاهة الاقتصادية.

تحتل زراعة الذرة أكثر من 33 مليون هكتار من الأراضي المزروعة في أفريقيا جنوب الصحراء، والتي تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 200 مليون هكتار. وبالنظر إلى المتوسط المنخفض لمردود محاصيل الذرة في حقول المزارعين الأفارقة، فإن مواجهة الطلب المتزايد على محصول الذرة في أفريقيا يعد تحديًا حقيقيًا، إلا أنه كذلك يمثل فرصة كبيرة.

ما يمكن تحقيقه

لحسن الحظ، هناك مثال عصري يمكن المقارنة به في هذا النطاق، هو التطور الناجح لهذا المحصول في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من المناطق حول العالم. تاريخيًا، لقد حدث هذا التطور في وقت قصير نسبيًا، وهو مثال مدهش لما يمكن تحقيقه عندما يسخر البشر عقولهم وعلومهم وتقنياتهم في مواجهة هذا التحدي.

ويبشر النجاح الذي تحقق في مجال الذرة بإمكانية تحقيق تطور أكبر في مجالات المحاصيل المحلية الإفريقية التي لم يتم تطويرها على الإطلاق، والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في أعداد قادمة من مجلة الطحن والحبوب. ويعد دقيق الذرة المطحون بالمطرقة هو المنتج الأفريقي الأهم حاليًا، وهو يختلف من دولة لأخرى. يعد هذا منتجًا بسيطًا، يحتوي كل النخالة المطحونة، وكذلك البذور، مما يعني فترة صلاحية قصيرة نسبيًا لأن البذور تبدأ في التزنخ بسرعة بعد الطحن.

وتؤثر المشكلة ذاتها على دقيق الذرة المطحون والمنخول، لاحتوائه على كمية كبيرة من “المسحوق”، مما يعني امتصاصه للرطوبة بكثرة ثم إطلاق هذه الرطوبة عند التعرض للبرودة، مكونًا طبقة من الماء فوق الدقيق في الصباح مما يجعل الطعم حامضًا. عادة ما يتم طبخ دقيق الذرة في صورة عصيدة، والتي يتحول لونها قليلًا إلى اللون الأصفر رغم كون الدقيق النيئ ناصع البياض. ونظرًا لادمصاص النخالة للماء بشكل أكبر من السويداء، غالبًا ما يسبب ذلك انتفاخًا مع كثرة تناولها. لذا فهناك حاجة واضحة لدقيق يمكن هضمه بصورة أفضل سواء لاستهلاك البشر أو في الأعلاف في أفريقيا.

الطعم، الحاجة إلى استخدام النشاء بصورة جيدة، بالإضافة إلى الإضافات المغذية، تعد جميعها عوامل أساسية يجب وضعها في الاعتبار. كما يجب تفادي المشاكل التنفسية عند أكل الدقيق الجاف أو المطحون بنعومة، لأن الكثير من الأشخاص في شرق أفريقيا يفضلون الدقيق شديد النعومة لاستخدامه في طهو عجائن “الأوغالي/ugali” أو “نزيما/nzima”، وهي أنواع من العصيدة الناعمة. لكن البعض في وسط وغرب أفريقيا يفضلون الدقيق الخشن أو غير المقشر، والذي يضفي ملمسًا أكثر خشونة لبنية المنتج.

أيًا كانت العادات الغذائية، فإن أفريقيا تحتاج إلى دقيق ذرة عالي الجودة، تتم فيه إزالة بذور الذرة، ثم طحن الحبوب ذاتها، أما إذا تم استخدام مطحنة دوارة أو ذات صفائح، فيجب نخل الدقيق باستخدام مزيل للبذور أو غيرها من الطرق المستخدمة لفصل النخالة والسويداء والبذور. في العدد القادم سأستمر في الحديث عن الفرص التي تقدمها الحبوب والمحاصيل الأقل شهرة مثل السورغم، والذي تم تطويره عملية معالجته جزئيًا في دول أخرى، ويتوقع أن يمثل خطوة خمة في التطور الزراعي الإفريقي، وكذلك في مجالي الطاقة والتغذية.

نبذة عن الكاتب: يفتخر كليفورد سبينسر بموقعه كسفير للنوايا الحسنة إلى الاتحاد الأفريقي، مع مسئولية خاصة عن الشراكة الجديدة للتنمية الإفريقية (النيباد/NEPAD)، والتي تمثل حاليًا 53 من 54 دولة أفريقية.

© 2016 IAOM Mideast & Africa Region. All rights reserved
Menu